شروق المالكي

"كل ماتراه حولك يمكن أن يلهمك"

 


ذكر الله في كتابه الكريم {وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ ۚ} 

وهنا تكمن قيمة الاختلاف للتعارف فلماذا أتكبد عناء التعرف على من يشبهني؟ 

الاختلاف هو الذي يميز الآخر أن نرى فيه ما ليس فينا وإلا أصبحنا نسخ مملة ومتكررة من بعضنا البعض ولا رغبة حقيقية للتعرف ولا الاستكشاف ولا أن نصبح مكملين لبعضنا البعض.

فالاختلاف مبناه عنصر الدهشة.

ألقت حركة العولمة ودعوى أن يصبح العالم قريةً واحدة بظلالها على التنوع اللغوي والثقافي والاجتماعي فأصبح الناس يلبسون ما تخطه خطوط الموضة ويأكلون ما تصدره مطاعم الچنك فود في أمريكا وتعبر عن أفكارها الثقافية وهوياتها بما تضخه نتفلكس وأخواتها ويتكلمون الإنجليزية.

فانعدم الاختلاف والتنوع وانقرضت اللغات واستحى الناس من موروثاتهم التي لا تماشي الموضة ومن لهجاتهم التي لا تحاكي الإنجليزية.

فأي كارثة تحل بالبشرية إن استمرت على هذا النهج؟

فاضمحلال اللغات والثقافات يؤثر على الحياة البشرية وعلومها.

وأهم ما تعلمته من تعلم اللغات احترام الاختلاف ومعرفة الاخر والاعتزاز باختلافنا.


وبعد العولمة أتت برامج التواصل الاجتماعي لتنهي كل آمال احترام الاختلاف بعدة طرق ومن ذلك ما 

ذكره باومان في أحد لقاءاته أن برامج التواصل الاجتماعي أحد أسباب تدني مهارات التواصل الاجتماعية والانغلاق على الذات وعدم تقبل الاختلاف بحيث إن المرء يتابع من يشبهه ويحظر من سواهم، بتصرف.

وأتفق معه فيما ذكر لأن ما يحصل في برامج التواصل من تسفيه للمختلف وتقليل من الثقافات الأخرى وسب وشتم تعزز قيم أن تصبح مثلنا وإلا نبذناك.

وتعد ظاهرة التيك توك من معززات ذلك فمن يشاهد ما يُنشر فيه من انتشار لطريقة معينة للتصوير فيصور الجميع بها ثم تذهب وتأتي موضة أخرى وهكذا في هذيان مستمر للتقليد والمحاكاة دون أدنى جهد ولا إعمال عقل.


وعلى صعيد آخر:

شاهدنا في مجريات كأس العالم تذمر بعض الغربيين على قطر بسبب بعض الأمور التي نختلف فيها عنهم فهاجموها بدعوى الحريات وكأن ليس من ضمن الحريات أن يكون المرء مختلفًا عنهم.

فهذه الاستماتة لتطبيق نظام عالمي يوحد الجميع وفرض الأفكار الغربية على العالم ماهي إلا ممارسات تسلطية وتعسفية لا تمت للحريات بصلة.

وكأس العالم فرصة للدول المشاركة بأن تظهر اختلافها لا أن تحاول أن تصبح نسخة من نموذج سائد.

فمهما ادعى الغربي احترام الاختلاف فإنها تظهر في قسماته كن مختلفًا ولكن على طريقتي.


ولولا الاختلاف لِما يتعنى المرء السفر إن كان سيرى نفسه فيك وسيرى ذات المطاعم وذات الملابس وذات الأماكن؟

الاختلاف جوهر الوجود الانساني.


وتخطو السعودية خطوات جادة في تعزيز الموروث الشعبي وخدمة العربية وتنوع اللهجات وخدمة القهوة السعودية بمكوناتها النابعة من بيئتنا وثقافتنا وبتعزيز الهوية السعودية المختلفة عمّا سواها حتى لا نصبح نُسخ صماء من أماكن أخرى وثقافات أخرى.

واللغات من أعظم الأبواب للتعرف على العالم المختلف واكتشافه.

استمروا في تعلمكم وشغفكم بالعالم ولكن لا تنسوا الاعتزاز بهويتكم وباختلافكم.


Share
Tweet
Pin
Share
No التعليقات
هل أصبحنا نتعامل مع ما وراء الشاشة باللايقين؟



لطالما تؤرقني وأرقتني التعليقات السلبية في فضاء الانترنت وكيفية تعامل الآخرين معها وما الذي يحدو الآخرين لكتابة تعليق سلبي يضر بالآخر دون التفكير في مشاعره؟!
قبل فترة طويلة انتشر خبر زواج إحداهن وبعد فترة قصيرة حصل الطلاق أعلنت الطلاق ثم أعلنت عدم رغبتها الخوض في تفاصيل الأمر ولا الحديث عنه فهي صفحة وأغلقت مرت الشهور والشهور ولا زالت الناس في فضاء الانترنت تلت وتعجن في هذا الموضوع حتى أن بعض التعليقات غُلفت بغلاف الشماتة بها لأنها مشهورة فطلاقها أمر طبيعي ومتوقع وهلّم جرا مما لا شك أن الجميع رأوه.
بناء على هذه القصة مالذي نراه ومالذي نفهمه؟!
 لماذا هُمشت مشاعرها واستمر الهجوم عليها بلا مراعاة بأن من خلف الشاشة انسان له مشاعر؟
هل بتنا نتعامل مع اللامرئي باللايقين؟ هي من خلف الشاشة إذًا مباح سبها وشتمها والتشفي بقضاياها الإنسانية.
وأقصد باللايقين هو التردد بوجود الشخص حقيقةً من عدمه هل هو روبوت أم إنسان؟! لا يهم المهم المشاركة في الحدث وترك بصمة سيئة أم حسنة لا يهم أيضًا.
هذه الظاهرة ليست جديدة ولم أكتب عنها للمرة الأولى ومع كل قضية إنسانية إفتراضية يتردد هذا السؤال في ذهني هل نتعامل مع الآخرين من خلف الشاشة بشرًا كما هم أم أن العالم الإفتراضي أفقدنا جزء من كينونتنا وهو التعاطف والشعور بالآخر.
هل عدم وجود الشخص أمامنا بشكل محسوس يلغي اللامحسوس؟!
هل الأخلاق حكرًا على الواقع والإفتراض عالم تهيم فيه بلا حد لما تقول ولا لما تفعل؟! 
هل التربية لن تنفع في هذه الحالة؟!
هل ما يعانيه المرء في حياته الواقعية ينعكس على الإفتراضية؟! أم أن الإنسان ينفصل عن ذاته ويمارس ما لا يمارسه واقعًا إما خوفًا أو حياءً أو غير ذلك؟!
في هذه الحالة أي ذات تمثلنا الإفتراضية أم الواقعية أم كلاهما معًا؟!
تدوينة مليئة بالأسئلة التي لم أجد لها إجابة.

Share
Tweet
Pin
Share
No التعليقات





 كنت أتأمل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم:(من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) فطفقت أبحث في معانيه والوقفات مع الحديث وشروحاته لأستبين أكثر مواضعاً لم ألحظها في الحديث.

هذا الحديث عظيم ففيه اجتمع خيرًا كثيرًا من حيث النهي عما لا ينفع الإنسان عامةً من قول أو عمل ويشمل ذلك بعض المباحات التي لا تنفع العبد لا في دينه ولا دنياه، والأمر بطريقة غير مباشرة بالإنشغال بما يعني الإنسان فالإنسان إذا ترك ما لا يعنيه انشغل بشأنه ونفسه ليحسنها ويقومها ويعلمها ويعبد الله على بصيرة ويكتمل إسلامه وبذلك يصل المرتبة الرفيعة من الخُلق وكلما كان المرء منشغلا بنفسه عن الآخرين كسب احترامهم وأعني بذلك الجانب السلبي من الانشغال بتتبع عورات الآخرين أو التدخل في خصوصياتهم.

هذا جانب عظيم تلمسته في هذا الحديث ولو أنه يعلق على كل مدخل من مداخل الحياة الإجتماعية لصفت النفوس واجتمعت. 

وما لا أدانيه في المرء أن يكون كثير السؤال ومتطفلاً على حياة غيره ويسأل عما لم يُخبر به ويسعى خلف كل شائعة وخلف كل فضول الكلام.

ومما لا أدانيه أيضاً الشخص كثير الكلام فغالباً ما يكون ممن يجمع الصفات السابقة.

والحديث نستطيع أن نطبقه على جميع جوانب حياتنا فهناك مباحات نأتيها ولكنّها لا تعود علينا بفائدة جمة في حياتنا أو معادنا فالأحسن أن نتركها ليحسن إسلامنا.

وليس في هذا دعوة للتضييق بل دعوة لإستغلال أثمن ما لدى الإنسان؛ وقته ليشغله بما ينفعه حقاً وهذا كله يعود لميزان الدين ثم ميزانه الشخصي والإنسان على نفسه بصيرة يعرف ما ينفعها.

والإسلام هذّب المرء ليشمل جميع جوانب حياته في سكناته وحركاته فلم يبقى جزء في حياته إلا وجّهه للسبيل القويم فيها.

فالحمدلله من قبل ومن بعد على اعتناق دين الإسلام ففيه التهذيب والتقويم والإصلاح والسكينة والفلاح لمن ألقى السمع وهو شهيد.

Share
Tweet
Pin
Share
3 التعليقات
Older Posts

اشترك بالنشرة البريدية

categories

  • أشياء أخرى
  • أفكار
  • الأيام العالمية
  • اللغات والثقافة
  • تأملات
  • تجارب الحياة
  • تحسين جودة الحياة
  • تطبيقات ومواقع
  • تعلم ذاتي
  • ثقافة الطعام
  • حديث نفس
  • رمضان
  • قناة اليوتيوب
  • كتب
  • نقطة البداية

recent posts

Popular Posts

  • 10 مصادر لتعلم اللغة الإيطالية
    كنت أعمل بجد على اللغة الإيطالية ولكنني بقيت آمل أن تتجلى لي يوما ما كاملة ،أن أفتح فمي يوما ما وأتحدثها بطلاقة بشكل سحري. طعام ...
  • ايطاليا والقهوة
    القهوة تتسيد الموقف كونها المشروب المفضل للكثير حول العالم يبدأ بها صباحه وربما أيضاً يختم بها يومه. لذا اليوم حبيت أكتب عن تقاليد...
  • الإيجابية ...والجرعات الزائدة
    ... فلأمنح كل عاطفة شخصية خاصة بها،كل وضع من أوضاع الروح روحاً مستقلة فرناندو بيسوا  دائماً أحب أنظر للجزء الممتلئ من ال...

Blog Archive

  • ديسمبر 2024 (1)
  • سبتمبر 2023 (1)
  • مارس 2023 (1)
  • ديسمبر 2022 (2)
  • مايو 2022 (2)
  • مارس 2022 (1)
  • يناير 2022 (2)
  • ديسمبر 2021 (1)
  • نوفمبر 2021 (3)
  • أكتوبر 2021 (1)
  • أغسطس 2021 (2)
  • يوليو 2021 (4)
  • يونيو 2021 (2)
  • يناير 2021 (3)
  • ديسمبر 2020 (3)
  • سبتمبر 2020 (1)
  • أغسطس 2020 (2)
  • مايو 2020 (3)
  • أبريل 2020 (2)
  • مارس 2020 (1)
  • ديسمبر 2019 (2)
  • أكتوبر 2019 (3)
  • أغسطس 2019 (1)
  • يوليو 2019 (1)
  • مايو 2019 (5)
  • أبريل 2019 (9)
  • مارس 2019 (6)
  • فبراير 2019 (7)
  • يناير 2019 (1)

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

Follow Us

  • YouTube

بحث هذه المدونة الإلكترونية

Created with by ThemeXpose