نعمة الاختلاف

by - ديسمبر 13, 2022

 


ذكر الله في كتابه الكريم {وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ ۚ} 

وهنا تكمن قيمة الاختلاف للتعارف فلماذا أتكبد عناء التعرف على من يشبهني؟ 

الاختلاف هو الذي يميز الآخر أن نرى فيه ما ليس فينا وإلا أصبحنا نسخ مملة ومتكررة من بعضنا البعض ولا رغبة حقيقية للتعرف ولا الاستكشاف ولا أن نصبح مكملين لبعضنا البعض.

فالاختلاف مبناه عنصر الدهشة.

ألقت حركة العولمة ودعوى أن يصبح العالم قريةً واحدة بظلالها على التنوع اللغوي والثقافي والاجتماعي فأصبح الناس يلبسون ما تخطه خطوط الموضة ويأكلون ما تصدره مطاعم الچنك فود في أمريكا وتعبر عن أفكارها الثقافية وهوياتها بما تضخه نتفلكس وأخواتها ويتكلمون الإنجليزية.

فانعدم الاختلاف والتنوع وانقرضت اللغات واستحى الناس من موروثاتهم التي لا تماشي الموضة ومن لهجاتهم التي لا تحاكي الإنجليزية.

فأي كارثة تحل بالبشرية إن استمرت على هذا النهج؟

فاضمحلال اللغات والثقافات يؤثر على الحياة البشرية وعلومها.

وأهم ما تعلمته من تعلم اللغات احترام الاختلاف ومعرفة الاخر والاعتزاز باختلافنا.


وبعد العولمة أتت برامج التواصل الاجتماعي لتنهي كل آمال احترام الاختلاف بعدة طرق ومن ذلك ما 

ذكره باومان في أحد لقاءاته أن برامج التواصل الاجتماعي أحد أسباب تدني مهارات التواصل الاجتماعية والانغلاق على الذات وعدم تقبل الاختلاف بحيث إن المرء يتابع من يشبهه ويحظر من سواهم، بتصرف.

وأتفق معه فيما ذكر لأن ما يحصل في برامج التواصل من تسفيه للمختلف وتقليل من الثقافات الأخرى وسب وشتم تعزز قيم أن تصبح مثلنا وإلا نبذناك.

وتعد ظاهرة التيك توك من معززات ذلك فمن يشاهد ما يُنشر فيه من انتشار لطريقة معينة للتصوير فيصور الجميع بها ثم تذهب وتأتي موضة أخرى وهكذا في هذيان مستمر للتقليد والمحاكاة دون أدنى جهد ولا إعمال عقل.


وعلى صعيد آخر:

شاهدنا في مجريات كأس العالم تذمر بعض الغربيين على قطر بسبب بعض الأمور التي نختلف فيها عنهم فهاجموها بدعوى الحريات وكأن ليس من ضمن الحريات أن يكون المرء مختلفًا عنهم.

فهذه الاستماتة لتطبيق نظام عالمي يوحد الجميع وفرض الأفكار الغربية على العالم ماهي إلا ممارسات تسلطية وتعسفية لا تمت للحريات بصلة.

وكأس العالم فرصة للدول المشاركة بأن تظهر اختلافها لا أن تحاول أن تصبح نسخة من نموذج سائد.

فمهما ادعى الغربي احترام الاختلاف فإنها تظهر في قسماته كن مختلفًا ولكن على طريقتي.


ولولا الاختلاف لِما يتعنى المرء السفر إن كان سيرى نفسه فيك وسيرى ذات المطاعم وذات الملابس وذات الأماكن؟

الاختلاف جوهر الوجود الانساني.


وتخطو السعودية خطوات جادة في تعزيز الموروث الشعبي وخدمة العربية وتنوع اللهجات وخدمة القهوة السعودية بمكوناتها النابعة من بيئتنا وثقافتنا وبتعزيز الهوية السعودية المختلفة عمّا سواها حتى لا نصبح نُسخ صماء من أماكن أخرى وثقافات أخرى.

واللغات من أعظم الأبواب للتعرف على العالم المختلف واكتشافه.

استمروا في تعلمكم وشغفكم بالعالم ولكن لا تنسوا الاعتزاز بهويتكم وباختلافكم.


You May Also Like

0 التعليقات